من هو أول لاعب كرة تعلقت به؟ كان هذا سؤال أحد مقدمي البرامج لأحد ضيوفه، وكانت إجابته واضحة: مارادونا.
١-
١٩٩٤ كنت أبلغ التاسعة وقتها، حينما كنت أساعد أخي في إعداد اللاقط الفضائي (الدش كما كنا نسميه) قبيل بطولة كأس العالم بأشهر بسيطة. صورة غير واضحة لرجل بشعار نادي يوفنتوس، ربطة شعر غريبة، حركة جسد أنيقة… صوت خالد الفرحان يتحدث عن أفضل لاعب في العالم حينها: روبرتو باجيو، الإيطالي البوذي الذي ترك الكنيسة ومات واقفًا في عام ١٩٩٤.
كانت هذه هي المرة الأولى التي أشاهد فيها باجيو. باجيو لم يكن لاعبًا إيطاليًا تقليديًا، إيطاليا التي كان يلعب فيها وقتها مالديني وباريزي، أساطير الكرة الدفاعية. كان مختلفًا عن أبناء إيطاليا، لم يكن امتدادًا لباولو روسي مثلًا، ولا شبيهًا بلاعبي أوروبا وقتها: فان باستن، خوليت، ماتيوس وغيرهم.
باجيو… كان امتدادًا لكرة البرازيل ومهارات زيكو وأناقة مارادونا. هو حلقة الوصل بين شكل الكرة القديمة والحديثة.
كنت أقتني وقتها الصحف التي يأتي بها والدي، لأبحث عما يقال حول باجيو. لم يكن الإنترنت موجودًا ولا مواقع التواصل الاجتماعي، ولا الهاتف ولا شيء. كل ما نملكه هو لقطات بسيطة، وصحفنا، وقدرتنا على التخيل.
أتذكر أبناء الحارة وهم يضعون ربطة على شعرهم، وأبناء القرى المجاورة يرتدون دومًا الرقم ١٠ باللون الإيطالي الأنيق، ويلقبون أنفسهم: “باجيو… باجيو”.
وحينما قرر أبي أن يشتري أول جهاز تشغيل فيديو منزلي، كان من أوائل ما اقتنيته شرائط فيديو لمباريات باجيو مع يوفنتوس. تأتينا مسجلة بعد أيام وأسابيع عبر محل “فيديو النجوم” في شارع الوشم بالرياض، حيث كان يقيم عمي علي. كنا نتواصل معه لشراء نسخ لهذه المباريات وغيرها، وإرسالها لنا لتصلنا بعد أسابيع.
٢-
في النصف الأول من التسعينات، كان أفول مارادونا واضحًا، وكذلك صعود باجيو، الذي كان الصفقة الأغلى والأكثر ضجيجًا عند خروجه من فيورنتينا إلى يوفنتوس. وخروجه من الكنيسة الكاثوليكية في إيطاليا إلى البوذية. وخروجه من قلوب الإيطاليين حين أضاع ركلة الجزاء الشهيرة.
ماذا لو أنه سجلها؟
باجيو كان فتنة في كأس العالم ١٩٩٤. كان الأفضل في العالم، وما قدمه في تلك البطولة شبيه بما قدمه مارادونا عام ١٩٨٦.
أعاد إيطاليا من على سلم طائرة العودة، وأنقذهم من الخروج المبكر. لعب وهو مصاب في أغلب المباريات، ومع ذلك نجح في تسجيل أهداف صعودهم من كل الأدوار الإقصائية. لكنه كان قليل الحظ، ليس في هذه البطولة فحسب، بل عبر تاريخه كله. إصاباته القاتلة، مشاكله مع المدربين، تنقله بين عدد من الأندية، هجوم الإعلام عليه دومًا، تغير طرق اللعب، وتقليل الاعتماد على المواهب الفنية مقابل القوة البدنية، كل هذا أبعد الضوء عنه كثيرًا.
٣-
في لقاء لبيب جوارديولا، الذي زامله في آخر أيامه في بريشيا، قال في حديث لميسي: “باجيو هو أعظم من لعبت معه، كان يلعب بلا رُكبتين نتيجة تراكم الإصابات… ولكنه كان الأعظم.”
وفي حوار أجراه معه الإعلامي حسين ياسين، قال له: “من الظلم أن يتم تحديد بطل العالم عبر ركلات الجزاء… كل ما أريده هو أن ألعب ذلك النهائي مرة أخرى.”
قالها والدموع في عينيه.
٤-
لم يقدّره الإيطاليون كثيرًا إلا بعد مرور سنوات طويلة. ولم تنصفه الجماهير حتى الآن. ولو أنه حقق كأس العالم، لكان تم وضعه في درجة أقرب إلى مارادونا وبيليه وميسي وزيدان، والنجوم الذين ساهموا في تحقيق هذا اللقب.